| تسجيل عضوية جديدة | استرجاع كلمة المرور ؟
Follow us on Twitter Follow us on Facebook Watch us on YouTube
صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 42

الموضوع: بحر الدموع

  1. #21

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الفصل الحادي عشر -

    hasad">

    الفصل الحادي عشر


    يا من رواحله في طلب الدنيا لها اسراع، متى تحل عنها نطاق الأمل، فيكون الانقطاع؟ اذا طلبت الآخرة، تمشي رويدا، فمتى يكون الانتفاع؟ عجبا كيف تشدّ الرحال في طلب الفاني وفي طريقه قطاع! العمر أمانة أتلفت شبابه في الخيانة، وكهولته في البطالة، وفي الشيخوخة تبكي ونقول: عمري قد ضاع. متى أفلح الخائن فيما اشترى أو باع؟ أنت في طلب الدنيا صحيح الجسم، وفي طلب الآخرة بك أوجاع. كم تعرج عن سبل التقوى يا أعرج الهمة، يا من يبقى في القاع. يا من على عمره ليل الغفلة طلع الفجر المشيب بين الأضلاع. رافق رفاق التائبين قبل أن تنقطع مع المنقطعين { وما من غائبة في السماء والأرض الا في متاب مبين} النمل 75.
    وأنشدوا:
    اذا أنا لم أصبر على من أحبه وان حال عن وصلي فما انا صانع
    أأتركه والقلب من فرط حبه أسير بما تطوي عليه الأضالع
    أأسمع فيه العذل والوجد حاكم فما يغنني بالعذل ما أنا سامع
    أأسلوه والشوق يمنع سلوتي وأكتم ما قد أظهرته المدامع
    ويعتبني قلبي اذا زاد وجده فأضرب صفحا دونه وأمانع
    وان زاد بي أشتكيه فحسبه على كل حال عند شكواي شافع
    فلا عشة تصفو ولا موعد يفي ولا نظر يسلي ولا الصبر نافع
    أرى الدهر يمضي برهة بعد برهة ولم ألف ما مالت اليه المطامع
    فان ضقت ذرعا بالذي قد لقيته فكل مضيق فهو في الحب واسع

    قال ذا النون المصري رضي الله عنه: رأيت امرأة متعبدة، فلما دنوت منها، ودنت مني، سلمت عليّ، فرددت عليها السلام، فقالت لي: من أين أقبلت؟ فقلت" من عند حكيم لا يوجد مثله، فصاحت صيحة شديدة، ثم قالت: ويحك كيف وجدت معه وحشة الغربة حتى فارقته، وهو أنيس الغرباء، ومعين الضعفاء، ومولى الموالي؟! أم كيف سمحت نفسك بمفارقته؟.
    فأبكاني كلامها. فقالت لي: مم بكاؤك؟ فقلت لها: وقع الدواء على الجرح، فأسرع في نجاحه، فقالت لو كنت صادقا، فلم بكيت؟ فقلت لها: فالصادق لا يبكي؟ قالت: لا. قلت: ولم؟ قالت: لأن البكاء راحة للقلب. وهو نقص عند ذوي العقول.
    قلت لها: علميني شيئا ينفعني الله به.
    قالت: اخدم مولاك شوقا الى لقائه، فان له يوما يتجلى فيه الى أوليائه، لأنه سبحانه سقاهم في الدنيا من محبته كأسا لا يظمؤون بعدها أبدا.
    ثم أقبت تبكي وتقول: الهي وسيدي، الى كم تدعني في دار لا أجد لي فيها أنيسا يساعدني على بلائي، ثم جعلت تقول:
    اذا كان داء العبد حب مليكه فمن دونه يرجى طبيبا مداويا

    يا أخي، اذا طردك مولاك عن بابه؟ فالى باب من ترجع، والى أي طريق تذهب، والى أي جهة تقصد؟ لازم باب مولاك، فلعل وعسى يثمر عودك.
    وأنشدوا:
    حنين قلوب العارفين الى الذكر وتذكارهم عن المناجاة بالسر
    وأجسامهم في الأرض سكرى بحبه وأرواحهم في ليل حجب العلى تسرى
    عباد عليهم رحمة الله أنزلت فظلوا عكوفا في الفيافي وفي القفر
    وراعوا نجوم الليل لا يرقدونه بادمان تثبيت اليقين مع الصبر
    فهذا نعيم القوم ان كنت فاهما وتعقل عن مولاك آداب من يدري
    فما عرسوا لا بقرب حبيبهم ولا عرّجوا عن مسّ بؤس ولا ضرّ
    أديرت كؤوس للمنايا عليهم فغفوا عن الدنيا كاعفاء ذي سكر
    همومهم جالت لدى حجب العلى وهم أهل ودّ الله كالأنجم الزهر
    فلا عيش الا مع أناس قلوبهم تحنّ الى التقوى وترتاح للذكر

    ويروى عن بعض العبّاد رضي الله عنه أنه قال: بينما أنا في الطريق أسير، وكنت صائما، فرأيت نهرا جاريا، فانغمست فيه، فاذا أنا بسفرجلة على وجه الماء، فأخذتها لأفطر عليها.
    قال: فلما أفطرت عليها ندمت، وقلت: أفطرت على ما ليس لي، فلما أصبحت سرت، فضربت على باب البستان الذي كان النهر يخرج منه، فخرج اليّ شيخ كبير، فقلت له: يا شيخ، انه خرج من بستانكم هذا بالأمس سفرجلة، فأخذتها وأكلتها، وقد ندمت على ذلك، فعسى أن تجعلني في حل.
    فقال لي: أما أنا في هذا البستان أجير، ولي فيه منذ أربعين سنة ما ذقت من فاكهته شيئا قط، وليس لي في البستان شيء. قلت: لمن هو: قال: لأخوين بالموضع الفلاني.
    قال: فأتيت الموضع، فوجدت أحدهما، فقصيت عليه القصة، فقال: نصف البستان لي، وأنت حل من نصيبي في الك السفرجلة. فقلت له: وأين أجد أخاك؟ قال: بموضع كذا وكذا.
    فمضيت اليه، وقصيت عليه القصة، فقال لي: والله لا أجعلك في حل الا بشرط. فقلت: وما الشرط؟ قال: أزوّجك ابنتي وأعطيك مائة دينار. قال له العابد: ويحك أنا في شغل عن هذا. أما رأيت ما أصابني لأجل سفرجلتك؟ فاجعلني حل. فقال له: والله ما فعلت الا بالشرط المذكور.
    فلما رأى العابد منه الجد، امتثل، وقال افعل، فأعطاه مائة دينار، ثم قال له: أعطني منها ما شئت مهر ابنتي، فرمى بها كلها اليه، فقال له: لا، الا البعض.
    قال: فزوّجه ابنته، فلامه الناس على ذلك، وقالوا له: خطب ابنتك أرباب الدولة وكبراء الناس، ولم تعطها لهم، فكيف أعطيتها لفقير لا مال له؟ فقال لهم: يا قوم انما رغبت في الورع والدين، ولأن هذا الرجل من عباد الله الصالحين، رضي الله عنهم أجمعين.

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  2. #22

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الفصل الثاني عشر -

    الفصل الثاني عشر


    يا من عمي عن طريق القوم، عليك باصلاح نور البصر. القلب المظلم يمشي في شوك الشك وما عنه خبر. وقت التائب كله عمل: نهاره صوم، وليله سهر، ووقت البطال كله غفلة، وبصيرته عميت عن النظر. من ذاق حلاوة الزهد، استحلى التهجد والسهر، ان تدرك المتجهدين في أول الليل، ففي أعقاب السحر. تيقّظ من نوم الغفلة، فهذا فجر المشيب انفجر، وأذلة التخلف اذا تخلف عن الباب وما حضر!.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يكونن أحدكم كالعبد السوء، ان خاف عمل، وان لم يخف فلا عمل، أو كالأجير السوء، ان لم يعط أجرا وافرا لم يعمل".
    أوحى الله الى داود عليه السلام: يا داود، العاشقون يعيشون في حلم الله، والذاكرون يعيشون في رحمة الله، والعارفون يعيشون في لطف الله، والصّدّيقون يعيشون في بساط الأنس بالله يطعمهم ويسقسهم.
    قال أبو بكر الرازي: قا ابن عطاء: لما أكل آدم من الشجرة، طرده كل شيء ونفاه عن نفسه، وأبعده عن نفسه، وأبعده عن قربه، الا شجرة العود، فانها آوته. وبكى عليه كل شيء الا الذهب والفضة.
    فأوحى الله اليهما: ما لكما لا تبكيان على محب طرده محبوبه؟ فقالا: الهنا، وما كنا لنبكي على محب عصى محبوبه. فقال: وعزتي وجلالي، لأعزنّكما ولأجعلنّكما قيمة كل شيء، ولأجعلنّ لأولاد آدم خدّاما لكما.
    وأوحى الله الى العود: ومالك أويت طريد مولاه؟فقال: رحمة مني على ذلك.
    فقال: وعزتي وجلالي، لأعذبنك بالنار في الدنيا، ولا ينتفع بك الا بعد احراقك، لأنك آويت من عصى في جوار مولاه بمرأى منه واطلاع عليه. وأنشدوا:
    لقد ورد التقاة فما وردنا فهمنا والهين وما فهمنا
    أحبّتنا بطيب الوصل جودوا فغير الجود منكم ما عرفنا
    فان جدتم فعفوكم رجونا وبابكم الكريم به وقفنا
    تذللنا بباكم عساكم بلطف جنابكم فارضوا علينا
    وحقّكم لقد جئنا حماكم وآوينا لكم لكن طردنا
    وحالت بيننا حجب المعاصي ولولا الذنب عنكم ما حجبنا
    وما كان النوى والبعد منكم ولكن أصله مما افترقنا
    فتحتم باب جودكم امتنانا علينا بعد جرم كان منا
    فلم نصلح لقربكم ولكن أسأنا ثم تبنا ثم عدنا
    وعاملناكم بالعدل دهرا وعاهدناكم زمنا فخنّا
    ولم ينقض لكم عهد ولكن علينا قد نقضنا ما نقضنا
    طردنا بالجرائم عن رضاكم ولو كنا له أهلا قبلنا
    وأقررنا بزلتنا لديكم فجودوا بالرضا انّ اعترفنا
    ومن يرجو العبيد يوى الموالي فأنتم راحمونا كيف منا
    وهل في غيركم عنكم بديل وهل لولاكم للحق معنى
    فما أشهى وصالكم وأحلى وما أعلى مقامكم وأسنى
    فعزتنا تذللنا اليكم وأشرف حالنا لكم ان خضعنا
    بجاه محمد خير البرايا تشفعنا لكم وبه اعتصمنا
    عليه تحيّة ما لاح برق وتاق لحبّه قلب المعنّى

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  3. #23

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الجزء الأول من الفصل الثالث عشر -

    الفصل الثالث عشر


    يا هذا، كم لك على المعاصي مصر؟ متى يكون منك المتاب؟ جسمك باللهو عامر، وقلبك من التقوى خراب، ضيّعت الشباب في الغفلة، وعند الكبر تبكي على زمان الشباي. في المجلس تبكي على الفائت، واذا خرجت عدت للانتهاب. لا حيلة لوعظي فيك وقد غلق في وجهك الباب. كم لي أحدّث قلبك، وأرى قلبك غائبا مع الغيّاب، يا من قلبه مشغول، كيف تفهم الخطاب. وافرحة ابليس اذا طردت عن الباب! هذا مأتم الحزان، هذا المجلس قد طاب. رحلت رفاق التائبين الى رفاق الأحباب. يا وحشة المهجور المبعد عن الباب اذا لم يجد للقرب والدنو سببا من الأسباب. يا منقطعا عن الرفاق الأحباب، تعلق بأعقاب الساقة بذلّ وانكسار ودمع ذي اسكاب، وقل: تائه في بريّة الحرمان، مقطوع فيه تيه الشقاء، مسبول دونه الحجاب، كلما رام القيام، أقعده وأبعده بذنوبه الحجّاب، لا زاد ولا راحلة ولا قوة، فأين الذهاب؟ عسى عطفة من وراء ستر الغيب تهون عليك صعاب المصاب.
    لله درّ أقوام شاهدوا الآخرة بلا حجاب، فعاينوا ما أعدّ الله للمطيعين من الأجر والثواب. ترى لماذا أضمروا أجسادهم وأظمؤوا أكبادهم، وشرّدوا رقادهم، وجعلوا ذكره بغيتهم ومرادهم؟!.
    وأنشدوا:
    يا رجال الليل مهلا عرّسوا انني بالنوم عنكم مشتغل
    شغلتني عنكم النفس التي تقطع الليل بنوم وكسل
    أنا بطّال وأنتم ركّع زاد تفريطي وزدتم في العمل
    قلت مهلا سادتي أهل الوفا حمل القوم وقالوا لا مهل

    قال وهب بن منبه: أوحى الله الى نبي من الأنبياء: أن اذا أردت أن تسكن معي في حظيرة القدس، فكن وحيدا في الدنيا، فريدا مهموما حظينا، كالطير الوحيد يظل في أرض الفلاة، يرد ماء العيون، ويأكل من أطراف الشجر، فاذا جنّ عليه الليل، آوى وحده استيحاشا من الطير، واستئناسا لربه.

    ويروى عن سفيان الثوري رضي الله عنه أنه قال: مرّ عابد براهب، فقال له: يا راهب، كيف ذكرك للموت؟ قال: أرفع قدما ولا أضع أخرى، الا خشيت أن قد مت.
    قال: كيف كان نشاطك للصلاة؟ قال: ما سمعت أحدا سمع بالجنة، فأتت عليه ساعة الا صلى ركعتين.
    قال العابد: يا راهب، مالكم تلبسون هذه الخرق السود؟ قال الراهب: لأنها من لباس أهل المصائب.
    فقال له العابد: أكلكم معشر الرهبان قد أصيب بمصيبة. قال الراهب: يا أخي وأي مصيبة أعظم من مصيبة الذنوب على أهلها؟.
    قال العابد: فما تذكرت هذا الكلام، الا وبكيت.

    قال العتبي: أنشد رجل من أهل الزهد هذه الأبيات:
    ويوم ترى الشمس قد كوّرت وفيه ترى الأرض قد زلزلت
    وفيه ترى كل نفس غدا اذا حشر الناس ما قدّمت
    أترقد عيناك يا مذنبا وأعمالك السوء قد دوّنت
    فاما سعيد الى جنة وكفاه بالتور قد خضّبت
    واما شقي كسى وجهه سوادا وكفاه قد غللت

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  4. #24

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الجزء الأخير من الفصل الثالث عشر -

    خرج عمر بن عبد العزيز في بعض أسفاره، فلما اشتد الحرّ عليه، دعا بعمامة فتعمم بها، فلم يلبث أن نزعها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لم نزعتها؟ لقد كانت تقيك الحرّ. قال: ذكرت أبياتا قالها الأول، وهي هذه:
    من كان حين تمسّ الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا
    ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوما راغما جدثا
    في قعر مظلمة غبراء موحشة يطيل تحت الثرى في جوفها اللبثا

    وقد خرج عيسى بن مريم عليه السلام على الحواريين وعليهم آثار الغبار، وعلى وجوههم النور، فقال: يا بني الآخرة، ما تنعّم المتنعمون الا بفضل نعمتكم.

    وقيل للحسن البصري رضي الله عنه: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها؟ فقال: خلوا بالرحمن، فألبسهم نورا من نوره.

    وروي عن أبو ماجد، قال: كنت أحب الصوفية، فاتبعتهم يوما الى مجلس عالم، فرأيت في المجلس شخصا تتمنى النفوس دوام النظر اليه، وهو يبكي كلما سمع العالم والقارئ يقول: الله، الله، فلم تنقطع له دمعة.
    فتعجبت من توكّف عبراته، وترتداف زفراته، مع صغر سنه، وغضّ شبابه، فسألت بعض الصوفية عنه فقال: انه تائب غزير الدموع، كثير السجود والركوع، رقيق القلب شفيق الحب.
    فبينما نحن كذلك، اذا قرأ القرآن:{ فاذكروني أذكركم} البقرة 152، فقام قائما على قدميه، وهو يقول: سيّدي، خاب من في قلبه غير ذكرك. وهل في الأكوان غيرك حتى يذكر يا حبيب القلوب؟!.
    وأنشدوا:
    تهتّكي في الهوى حلا لي وعاذلي ما له وما لي
    يلومني في الغرام جهلا وكلما لامني حلا لي
    قالوا تسليّت قلت كلا يا قوم مثلي يكون سالي
    قالوا تعشقت قل أهلا لقد تعشّقت لا أبالي

    قال أبو علي: الرّجال في هذا المقام على أربعة أقسام:
    القسم الأول: رجل قد استولى على قلبه عظمة الله وكحبته، فاشتغل بذكره عن ذكر من سواه، ولم تله الأكوان عن الاستئناس بذكره، فهذا هو الذي وصفه الله تعالى، فقال:{ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} النور 37.
    والثاني: رجل عاهد الله تعالى بصدق الاجابة، وتحقق العبودية، واخلاص الورع، والقيام بالوفاء، فهو الذي وصفه الله تعالى بقوله:{ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} الأحزاب 23.
    والثالث: رجل يتكلم لله وفي الله وبالله ومن أجل الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر على سائر ضمائر الأسرار، ثم على ظواهر النفوس الأغيار، وهو الذي وصفه الله تعالى، فقال:{ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} يس 20.
    والرابع: رجل يتكلم سره عن نفسه وعن الملكين الموكلين، ولا يطّلع على سرّه الا مولاه، وهو الذي وصفه الله تعالى، فقال:{الله نزل أحسن الحديث}، الى قوله:{ الى ذكر الله} الزمر 23، فهذا هو في ظاهره كالسّليّ الخليّ، وفي باطنه كالمتوليّ الشجيّ.
    وأنشدوا:
    اليك والا لا يفيد سرى الساري ولا حرف الا ما تلاه لك القاري
    فيا منيتي يا بغيتي بل ورحمتي ويا جنتي في كل حال ويا ناري
    اذا صحّ منك الاعتقاد فكل ما على الأرض فان من شموس وأقمار

    قال مالغيرة بن حبيب: كنت أسمع بمجاهدة المحبين، ومناجاة العارفين، وكنت أشتهي أن أطّلع على شيء من ذلك، فقصدت مالك بن دينار، فرمقته على غفلة وراقبته من حيث لا يعلم ليالي عدة، فكان يتوظأ بعد العشاء الآخرة، ثم يقوم الى الصلاة، فتارة يفني ليلة في تكرار آية أو آيتين، وتارة يدرج القرآن درجا، فاذا سجد وحان انصرافه من ثلاته، قبض على لحيته، وخنقته العبرة، وجعل يقول: بحنين الثكلى وأنين الولهى، يا الهي، ويا مالك رقّي، ويا صاحب نجواي، ويا سامع شكواي، سبقت بالقول تفضلا وامتنانا، فقلت:{ يحبهم ويحبونه} المائدة 54، والمحبّ لا يعذ حبيبه، فحرم شيبة مالك على النار. الهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأيّ الرجلين مالك، وأي الدارين دار مالك؟.
    ثم يناجي كذلك الى أن يطلع الفجر، فيصلي الصبح بوضوء العتمة رحمه الله.

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  5. #25

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الفصل الرابع عشر -

    الفصل الرابع عشر


    يا من أقعده الحرمان، هذه رفاق التائبين عليك عبور. لا رسالة دمع ولا نفس آسف، وما أراك الا مهجور. هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة تهيأ لها منذور. كم أعذار؟ كم كسل؟ كم غفلة؟ ما أجدك يوم الحساب معذور. بيت وصلك خراب، وبيت هجرك معمور. بدر عساك تجبر بالتوبة وتعود مجبور، سجدة واحدة واصل بها السحر وتنجو من الأهوال، { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوّ والآصال} الرعد 15.
    لله در أقوام قلوبهم معمورة بذكر الحبيب، ليس فيها لغيره حظ ولا نصيب، ان نطقوا فبذكره، وان تحرّكوا فبأمره، وان فرحوا فبقربه، وان ترحوا فبعتبته، أقواتهم ذكر الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة.
    وأنشدوا:
    حياتي منك في روح الوصال وصبري عنك من طلب المحال
    وكيف الصبر عنك وأي صبر لعطشان عن الماء الزلال
    اذا لعب الرجال بكل شيء رأيت الحبّ يلعب بالرجال

    يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اذا بلغ العبد أربعين سنة، ولم يغلب خيره على شرّه، قبّله الشيطان بين عينيه، وقال: فديت وجها لا يفلح أبدا، فان منّ الله عليه، وتاب اليه، واستنقذه من الضلالة، واستخرجه من غمرات الجهالة، يقول الشيطان لعنه الله: يا ويلاه، قطع همره بالضلالة، فأقرّ بالمعصية عيني، ثم أخرجه الله من الجهالة بتوبته ورجوعه الى ربه" أورده الغزالي في الاحياء.

    وذكر في بعض الأخبار أن رجلا كان من الفقهاء من أهل بغداد، وكان ممن يسار اليه في العلم والصلاح، وكان شيخا كبيرا فاضلا، وأراد الحج الى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيّه عليه الصلاة والسلام، فألّف من أصحابه جماعة من الذين كانوا يقؤون عليه، فارتبط معهم على أنهم يخرجون متوكلين على الله عز وجل.
    فلما ساروا في بعض الطريق، واذا بدير نصراني، وقد أعياهم الحرّ والعطش، فقالوا: يا أستاذنا، نسير لهذا الدير، فنستظل حتى يبرد النهار، ونرحل ان شاء الله تعالى، فقال لهم: افعلوا ما شئتم، فساروا الى ذلك الدير، ونزلوا عند جداره وقد أضابهم العياء والحر، فنام الطلبة، والشيخ لم ينم.
    قال: فتركهم الشيخ نائمين، وخرج يطلب ماء لوضوئه، ولم يكن له همّ الا ذلك، فبينما هو يمشي في حومة الدير يطلب الماء، فرفع رأسه، فرأى جارية صغيرة السن، كأنها الشمس الضاحية، فلما رآها الشيخ تمكّن ابليس من قلبه، ونسي الوضوء والماء، ولم يكن له هم الا الجارية، فأقبل يقرع الباب قرعا عنيفا، فخرج اليه راهب وقال له: من أنت؟
    قال له: أنا فلان العالم الفلاني، وعرّفه بنفسه واسمه.
    فقال له الراهاب: ما تريد يا فقيه المسلمين؟.
    قال له: يا راهب، هذه الصبية التي بدت من أعلى الدير، ما هي منك؟.
    قال الراهب: هي ابنتي، فما سؤالك عنها؟.
    قال له الشيخ: أريد أن تزوّجني اياها.
    قال له الراهب: ان ذلك لا يجوز عندنا في ديننا، ولو كان جائزا، لكنت أزوّجها منك بغير مشورتها، ولكن قد جعلت لها على نفسها عهدا، أن لا أزوّجها الا من ترضى لنفسها، ولكن أنا أدخل عليها وأعلمها بخبرك، فان هي رضيتك لنفسها، زوّجتك منها.
    قال له السيخ: حبا وكرامة.
    قال: فذهب الراهب الىابنته، فأعلمها بالقصة، والشيخ يسمع.
    فقالت: يا أبت، كيف تزوّجني منه، وأنا على دين النصرانية، وهو على دين الاسلام، انّ ذلك لا يتم له الا أن يدخل في دين النصرانية.
    قال: فعند ذلك، قال لها الراهب: أرأيت ان دخل في دينك، تتزوجينه؟.
    قالت: نعم.
    والشيخ العالم في هذا كله يتضاعف به الأمر، وابليس يزيّنها في عينيه، وأصحابه رقود، ليس عندهم علم بما حلّ به.
    قال: فعند ذلك، أقبل عليها الشيخ وقال لها: قد نبذت دين الاسلام، ودخلت في دينك.
    قالت له الجارية: هذا زواج قدري، ولكن لا بد من حق الزوجية ودفع المهر، وأين الحق، وأراك رجلا فقيرا، ولكن أقبل منك في حقي أن ترعى هذه الخنازير عاما كاملا، ويكون ذلك صداقي.
    قال لها: نعم، لك ذلك، ولكن أشترط عليك أن لا تجبي وجهك عني، لأنظر اليك غدوة وعشيا.
    قالت: نعم.
    فأخذ عصاه التي كان يخطب عليها، وأقبل بها على الخنازير، يزجرها لتمشي للمرعى.
    وجرى هذا كله وأصحابه نيام، فلما استيقظوا من نومهم طلبوا الشيخ فلم يجدوه، فسألوا عنه الراهب، فأعلمهم بالقصة.
    قال: فمنهم من خرّ مغشيا عليه، ومنهم من بكى وناح، ومنهم من تأسف على ما حلّ به.
    ثم قالوا للراهب: وأين هو؟.
    قال لهم: يرعى الخنازير.
    قال: فمضينا اليه، فوجدناه متكئا على عصاه التي كان يخطب عليها وهو يزجر بها الخنازير، وقلنا له: يا سيّدنا، ما هذا البلاء الذي حلّ بك.
    وجعلنا نذكّره فضل القرآن والاسلام، وفضل محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأنا عليه القرآن والحديث.
    فقال لنا: اليكم عني، فأنا أعلم بما تذكرونني به منكم، ولكن قد نزل بي البلاء من عند رب العالمين.
    قال: فكلما عالجناه ليسير معنا، ما قدرنا عليه، فمضينا الى مكة وتركناه، وفي قلوبنا منه حسرة.
    وقضينا حجنا ورجعنا نريد بغداد، فلما صرنا الى ذلك الموضع، فقلنا: تعالوا ننظر ما فعل الشيخ، لعله ندم وتاب الى الله عز وجلّ، ورجع عما كان فيه.
    قال: فذهبنا اليه، فوجدناه على حالته، وهو يزجر الخنازير، فسلمنا عليه وذكّرناه، وقرأنا عليه القرآن، فما ردّ علينا شيئا، فانصرفنا عنه وفي قلوبنا منه حسرة عظيمة.
    قال: فلما صرنا على بعد من الدير، واذا نحن بسواد قد أقبل علينا من ناحية الدير، وهو يصيح علينا، فوقنا له، فاذا هو صاحبنا الشيخ قد لحق بنا.
    وقال: اشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وأنا قد تبت الى الله، ورجعت عما كنت فيه، وماكنت فيه، وما كان ذلك الا من ذنب كان بيني وبين ربي عاقبني به، فكان من البلاء ما رأيتم.
    قال: فسررنا بذلك غاية السرور، وجئنا الى بغداد، وأقبل الشيخ على العبادة والاجتهاد أكثر مما كان عليه قبل ذلك، فبينما نحن في دار الشيخ نقرأ عليه، واا نحن بامرأة قد قرعت الباب، فخرجنا اليها وقلنا لها: ما حاجتك أيتها المرأة.
    قالت: أريد الشيخ وقولوا: ان فلانة بنت فلان الراهب قد جاءت لتسلم على يديك، فأذن لهابالدخول، فدخلت، وقالت: يا سيدي جئت لأسلم على يديك.
    فقال لها الشيخ: وما كانت القصة.
    قالت له: لما وليت عني، غلبتني عيناي، فنمت، فرأيت فيما يرى النائم علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وهو يقول: لا دين الا دين محمد صلى الله عليه سولم، قال لي ذلك ثلاث مرّات، ثم قال لي بعد ذلك: ما كان الله ليبتلي بك وليا من أوليائه. وها أنا ذا قد جئت اليك، وأنا بين يديك، وأقول: أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
    ففرح الشيخ بذلك، حيث منّ الله عليها بدين الاسلام على يديه، فتزوجها على كلمة الله وسنة رسوله.
    قال: فسألناه عن ذلك الذنب الذي كان بينه وبين الله.
    قال: كنت يوما ماشيا في بعض الأزقة، واذا برجل نصراني قد لصق بي، فقلت له: ابعد عني عليك لعنة الله. فقال: ولم ؟ قلت له: أنا خير منك.
    فالتفت النصراني، وقال: ما يدريك أنك خير مني، وهل تدري ما عند الله تعالى حتى تقول هذا الكلام؟.
    وقد بلغني بعد ذلك أن هذا الرجل النصراني قد أسلم وحسن اسلامه، ولزم العبادة، فعاقبني الله تعالى من أجل ذلك ما رأيتم.
    نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.

    ....

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  6. #26

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الفصل الخامس عشر -

    الفصل الخامس عشر


    معاشر التائبين: تعالوا نبكي على الذنوب فهذا مأتم الحزان، تعالوا نسكب المدامع. ونشتكي الهجران، لعل زمان الوصال يعود كما كان.
    هذا بياض الشيب ينذر بخراب الأوطان، يا من تخلف حتى شاب، وقد رحلت الأظعان.
    يا تائها في تيه، التخلف، يا حائرا في بريّة الحرمان، نهارك في الأسباب، وليلك في الرقاد، هذه الخسارة عيان، اذا ولى الشباب ولم يربح، ففي الشباب حتى ذبل من معاصي الرحمن، فعند اقبال المشيب، ندمت على ما قد كان. ان لم يشاهدك رفيق التوفيق، والا ففي الحرمان حرمان. وقد يرحم المولى من ضعف عن الأسباب{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} الرعد 39.
    وأنشدوا:
    أتبني بناء الخالدين وانما يقاؤك فيها لو عقلت قليل
    لقد كان في ظل الأراك مقيل لمن كل يوم يقتفيه رحيل

    ويروى عن الحسن البصري رضي الله عنه، أنه كان يقول: يا ابن ىدم، انّ لك عاجلا وعاقبة، فلا تؤثر عاجلتك على عاقبتك، فقد، والله، رأيت أقواما آثروا عاجلتهم على عاقبتهم، فهلكوا وذلوا وافتضحوا.
    يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
    يا ابن آدم، لا يضرّك ما أصابك منشدة الدنيا اذا ادّخر لك خير الآخرة، وهل ينفعك ما أصبت من رخائها اذا حرمت من خير الآخرة.
    يا ابن آدم، الدنيا مطيّة، ان ركبتها حملتك، وان حملتها قتلتك.
    يا ابن آدم: انك مرتهن بعملك، وآت على أجلك، ومعروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، وعند لموت يأتيك الخبر.
    يا ابن آدم: لا تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر متعلق، حسبك أيها المرء ما بلّغك المحل.

    ويروى عن مالك بن دينار رضي الله عنه، أنه كان ماشيا في بعض أزقة البصرة، اذا هو بجارية من جواري الملك، راكبة ومعها الخدم والمماليك، فسمع مالك حسّها خلفه، فالتفت اليها وهي راكبة، فرأى زهرتها وهيأتها وحالها، فنادى: أيتها الجارية هل يبيعك مولاك.
    قال: فلما سمعت منه تلك الكلمة، نظرت اليه، فرأت عباءة خلقة بالية، وله هيأة حسنة وتواضع وسكينة لله عز وجل.
    فقالت للخدم: أمسكوا مطيتي، فمسكوها، فردّت رأسها اليه، وقالت له: يا شيخ، أعد عليّ مقالتك. قال: قلت هل يبيعك مولاك. قالت: ويلي عليك، وه لمثلك ما يشتريني به لو باعني؟!.
    قال: فحفّ به المماليك، قال: خلوا عني أسير معكم، فسار معهم حتى أتت قصرها، فقام اليها حجبة الدار فأنزلوها، فدخلت، وبقي مالك بباب القصر حتى وصلت الى مولاها، فقالت: يا مولاي، ألا أحدثك بعجب؟!.
    قال: وما هو يا حسنة؟.
    قالت: يا مولاي لقيني شيخ كبير فقير عليه عباءة رثة بالية، فنظر الى حسني وجمالي وبهائي وكمالي ومماليكي، فأعجبه ما رأى من هيأتي، فقال: هل يبيعك مولاك، فضحك مولاها من ذلك، وقال لها: وأين هو ويلك؟! قالت: قد جئتك به معي، وها هو بباب القصر، فقال: أدخلوه عليّ.
    فدخل مالك، ولم يعرفه الرجل، فلما وقف بباب مجلسه، اذ هو بيت مملوء بضروب من الوطأ، والمتكأ، واذا هو بصاحب القصر قاعد على مرتبة عظيمة، فجعل مالك ينظر اليه. فقال: مالك؟ أدخل أيها الشيخ.
    فقال مالك: لا أدخل حتى ترفع هذا الوطاء، وتغيّب عني فنتنته، حتى لا أنظر اليه، ولا أطأ شيئا منه.
    فألقى الله الهيبة والطاعة في قلب صاحب القصر، فأمر برفع الوطاء والبسط، حتى كشف عن الرخام، وقعد صاحب القصر على كرسي قال: اجلس أيها الشيخ كما أحببت.
    قال: لا والله حتى تنول عن هذا الكرسي، وتجلس على هذا المرمر. قال: فجلس الرجل، وجلس مالك معه.
    فقال رب البيت: قا حاجتك أيها الشيخ.
    قال: جاريتك هذه التي دخلت عليك الساعة، أتبيعها لي؟.
    فقال له صاحب القصر: وهل لك ما تبتاعها به مني؟.
    قال: وما ثمنها؟.
    قال له: ان من شأنها وقدرها وحالها ومالها، تساوي كذا وكذا ألفا.
    فقال مالك: والله ما تساوي عندي نواتين مسوستين، فضحك الرجل، وضحكت الجارية، وضحك الجواري والخدم من وراء الستر من كلام مالك.
    فقال مالك: وما الذي أضحككم؟.
    قال صاحب البيت: وكيف كان ثمنها بهذه الخساسة عندك؟.
    فقال مالك: لكثرة عيوبها.
    قال: ومن أعلمك بعيوبها.
    قال: أنا أعلم من عيوبها ما لم تعلم أنت.
    قال: أعلمني بها، وأوقفني عليها.
    قال: ان لم تتعطر تغيّرت، وان لم تستك بخرت، وان لم تغتسل بظرت، وان لم تمتشط قملت وشعثت، وان عمّرت عن قليل هرمت وهي ذات بخار، وبصاق، وحيض وبول وغائط أقذار جملة، وآفات بينة، ولعلها لا تريدك الا لنفسها، ولا تحبك الا لتمتعها بك، وتمتعك بها، فلا تفي بعهدط، ولا تصدق في ودّك وعهدك، ولا يتخلف عليها أحد من بعدك الا رأته مثلك. وأنا أجد بدون ما سألت جارية خلقت من سلالة الكافور، ولو مزج بريقها الأجاج لطاب، ولو دعي ميت بكلامها لأجاب، ولو بدا معصمها للشمس أظلمت دونه، ولو برز لسواد الليل لسطع نوره، ولو واجهت الآفاق بحليّها وحللها، لترخرفت، ولو نفخ ريح ذوائبها على الأرض وما فيها لتعطّرت، فهي العطرة الشكلة المغنّجة المتنسقة، التي نشأت في رياض المسك والزعفران وغنيت بماء التنسيم، فلا يكسف بالها، ولا يحول حالها، ولا يخلف عهدها، ولا يتبدّل ودّها، ولا يتوقع ضدها. فأيهما أحق بالرفعة ايها المغرور؟.
    قال: التي وصفت، فما ثمنها رحمك الله؟.
    قال: اليسير المبذول، أن تتفرّغ ساعة عن ليلك، فتفوم فتصلي ركعتين تخلصهما لربك، وأن تضع طعامك بين يديك، فتذكر جائعا، فتؤثره على شهوتك، وأن تخطو الطريق فتلتقط منه حجرا ومدرا، وأن تحرّك لسانك بطيب الكلام، أو بذكر الرحمن، وأن تقطع أيامك باليسير من القوت، وترفع همّتك عن دار الغفلة، فتعيش في الدنيا عيش القنوع راسخا، وتأتي غدا يوم القيامة آمنا، وتنزل على الملك الأكبر مخلدا.
    قال: فعند ذلك نادى: يا جارية.
    قالت: لبيك يا مولاي.
    قال: أسمعت ما قاله الرجل؟.
    قالت: نعم.
    قال لها: هل هو صادق، أم كاذب؟.
    قالت: بل هو، والله صادق.
    قال: فأنت اذن حرّة لوجه الله تعالى، وضيعة كذا وكذا عليك صدقة، وأنتم أيها الغلمان أحرار، وضياع كذا وكذا عليكم صدقة، وهذه الدار صدقة بجميع ما فيها من الأثاث والأموال على الفقراء والمساكين.
    ومدّ يده على ستر كان على بعض أبوابه، فأخذه وستر به نفسه ورمى جميع ما كان عليه من اللباس.
    قالت جارية: يا مولاي، لا عيش لي بعدك، فرمت بكسوتها ولبست ثوبا خشنا وخرجت معه، فودّعهما مالك بن دينار ودعا لهما وأخذا طريقا، وأخذ مالك طريقا آخر.
    قال ناقل الحديث: فذكر أنها لم يزالا يعبدان الله عز وجل على تلك الحالة حتى لقياه. رحمة الله عليهم ونفعنا ببركاتهم.. آمين.

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  7. #27

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي الفصل السادس عشر -

    الفصل السادس عشر


    يا تائها في الضلال بلا دليل ولا زاد، متى يوقظك منادي الرحيل فترحل عن الأموال والأولاد؟ قل لي: متى تتيقّظ وماضي الشباب لا يعاد، ويحك كيف تقدم على سفر الآخرة بلا زاد ولا راحلة. ستندم اذ حان الرحيل، وأمسيت مريضا تقاد، ومنعت التصرف فيما جمعت، وقطعت الحسرات منك الأكباد، فجاءتك السكرات، ومنع عنك العوّاد، وكفنت في أخصر الثياب، وحملت على الأعواد، وأودعت في ضيق لحد وغربة ما لها من نفاذ، تغدو عليك الحسرات وتروح الى يوم التناد، ثم بعده أهوال كثيرة، فيا ليتك لمعاينتها لا تعاد.
    فاغتنموا بضائع الطاعات، فبضائع المعاصي خاسرة{ كلا بل تحبّون العاجلة وتذرون الآخرة} القيامة 20ـ21.
    وأنشدوا:
    احذر دنياك وغرّتها واحذر أن تبد لها طلبا
    تبغى ودّا ممن قدما لك قد قتلت أمّا وأبا
    وعلى الجيران فقد جارت كلا قهرت أولت عطبا
    كم من ملك ذي مملكة قد مال لها سكرا وصبا
    أضحى في اللحد ومقعده بتراب اللحد قد احتجبا
    اطلب مولاك ودع دنياك ففي أخراك ترى عجبا
    كم من قصر قد شيد بنا بالموت وها أضحى خربا
    يا طالبها لا تله بها كم من تاه ملك غضبا
    أين الماضون قد سكنوا لحدا فردا خربا تربا
    كانوا ومضوا ثم انقرضوا فتأدب أنت بهم أدبا
    فالعمر مضى والشيب أتى والموت لجينك قد قربا
    فأعدّ الزاد فما سفر عمر الأيام قد انتهبا
    بادر بالتوب وكن فطنا لا تلق بجريتك النصبا
    فلعل الله برحمته يلقي بالعفو لنا سببا

    قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: كنت أحمل الحطب من الجبال وأتقوّت به، وكان طريقي فيه التقوى والتحري، فرأيت جماعة من صلحاء البصرة في النوم، منهم الحسن ومالك بن دينار، وفرقد السّبخي.
    فقلت لهم: أنتم أئمة المسلمين فدلوني على الحلال الذي ليس فيه تبعة، ولا للخلق فيه منّة، فأخذوا بيدي وأخرجوني من طرسوس الى مرج فيه خبّازي، فقالوا لي: هذا هو الحلال الذي ليس فيه لله تبعة، ولا للخلق فيه منة.
    قال: قعدت آكل منه دهرا نيئا، وآكل منه مطبوخا، فأوجدني الله تعالى قلبا طيبا. قلت: ان كان أهل الجنة بالقلب الذي لي، فهم والله في عيش.
    فخرجت يوما على باب البلد، واذا بفتى يريد البلد، وكانت لي قطيعات بقيت لي من الحطب الذي كنت أبيعه قبل ذلك، فقلت: هذه لا أحتاج اليها، أدفعها لهذا الفقير ينفقها.
    فلما دنا مني، أدخلت يدي لأخرجها له، فرأيته قد حرّك شفتيه، واذا كل ما حولي من الأرض ذهب وفضة، حتى كاد يخطف بصري.
    قال: ثم خرجت مرة أخرى، فرأيته قاعدا وبين يديه ركوة وفيها ماء، فسلمت عليه، ثم طلبت منه أن يكلمني فمدّ رجله، فقلب الركوة بمائها، ثم قال: كثرة الكلام تنشفّ الحسنات، كما تنشف هذه الأرض الماء، يكفيك.

    قال محمد بن غسان صاحب الكوفة وقاضيها: دخلت على أمي في يوم عيد أضحى، فرأيت عندها عجوزا في أطمار رثة، واذا لها بيان ولسان، فقلت لأمي: من هذه؟ فقالت: خالتك عانية أم جعفر بن يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد، فسلكت عليها، وسلمت علي، فسألتها عن حالها، وقلت لها: صيّرك الدهر الى ما أرى!.
    قالت: نعم يا بنيّ، انما كنا في عوار ارتجعها الدّهر منا.
    فقلت اهت: حدّثني ببعض شأنك.
    قالت: خذ جملة، وقس على ذلك. لقد مضى عليّ عيد في مصثل هذا منذ ثلاث سنين، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن ابني عاق، وقد كان بعث اليّ برسم الضاحي ألف رأس من الغنم، وثلاثمائة رأس من البقر، دون ما يتبع ذلك من الزينة واللباس، وقد جئتكم اليوم أطلب جلدي شاتين أجعل احداهما شعارا، والآخر دثارا، تعني غطاء بليل.
    قال: فغمّني ذلك من قولها، وكربني ما رأيت من حالها، وأبكاني والله قولها، فوهبت لها دنانير كانت عندي.
    فانظر أخي حال الدنيا، وكيف يحوّل نعيمها وكيف يذهب ويزول، فالمغرور، والله من اغترّ بها، والمسعود من رأى عيبها وفرّ منها والمصائب في الدنيا أعداد: فواحد يصاب في الأموال والأولاد، والآخر يعرى من الاسلام بالطرد والابعاد.

    قال: بعض السادات: كنت جالسا عند الحسن البصري رضي الله عنه، فمرّ بنا قوم يجرون قتيلاـ، فلما رآه الحسن البصري، وقع مغشيا عليه، فلما أفاق من غشيته، سألته عن أمره فقال: ان هذا الرجل كان من أفضل العبّاد والزهاد وكبار السادات، فقلت له: يا أبا سعيد أخبرنا بخبره، وأطلعنا على أمره.
    قال: ان هذا الشيخ خرج من بيته يريد المسجد ليصلي فيه، فرأى في طريقه جارية نصرانية، فافتتن بها، فامتنعت عليه، فقالت: لا أتزوجك حتى تدخل في ديني، فلما طالت المدة، وزاد به الأمر جبذته شهوته، ثم غلبت عليه شقوته، فأجاب الى ذلك، وبريء من دين الحنيفية.
    فلما صار نصرانيا، وكان منه ما كان، خرجت المرأة من خف الستر، وقالت: يا هذا، لا خير فيك، خرجت من دينك الذي صحبته عمرك من أحل شهوة لا قدر لها، لكن أنا أترك دين النصرانية طلبا لنعيم لا يفنى عني طول الأبد في جوار الواحد الصمد، ثم قرأت:{ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} الاخلاص.
    فتعجب الناس من أمرها، وقالوا لها: أكنت تحفظين هذه السورة قبل هذا؟! قالت: لا والله ما عرفتها قط، ولكن هذا الرجل لما ألحّ عليّ، رأيت في النوم كأني دخلت النار، فعرض عليّ مكاني منها، فارتعبت وخفت خوفا شديدا، فقال لي مالك: لا تخافي ولا تحزني، فقد فداك الله بهذا الرجل منها، ثم أخذ بيدي، وأدخلني الجنة، فوجدت فيها سطرا مكتوبا. فقرأته، فوجدت فيه{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} الرعد 39. ثم أقرأني سورة الاخلاص، فأقبلت أردّدها، ثم انبتهت وأنا أحفظها.
    قال الحسن: فأسلمت المرأة، وقتل الشيخ على ردّته نصرانيا. نسأل الله العافية.

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  8. #28

    الصورة الرمزية azmeralda

    رقم العضوية : 34102

    تاريخ التسجيل : 27Feb2009

    المشاركات : 2,566

    النوع : انثى

    الاقامة : ام الدنيا

    السيارة: ملكش دعوة

    السيارة[2]: الله يرحمها

    دراجة بخارية: لا يوجد

    الحالة : azmeralda غير متواجد حالياً

    افتراضي -

    انا عاجبنى بس عايزة اعرف الحاديث محققة ومتاكد من صحتها قبل ما اكمل مكتوب عليه من بره؟؟؟


  9. #29

    الصورة الرمزية rosebox

    رقم العضوية : 83179

    تاريخ التسجيل : 09Dec2010

    المشاركات : 370

    النوع : انثى

    الاقامة : Egypt

    السيارة: ربنا يبعت

    السيارة[2]: فيات اونو

    دراجة بخارية: dontknow

    الحالة : rosebox غير متواجد حالياً

    افتراضي -

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة azmeralda مشاهدة المشاركة
    انا عاجبنى بس عايزة اعرف الحاديث محققة ومتاكد من صحتها قبل ما اكمل مكتوب عليه من بره؟؟؟
    الحقيقة الكتاب اللى معايا سوفت كوبى و مش معايا الأصل بتاعه
    الفكره الأساسيه اللى فيه انه بيكلم القلب و بيذهده فى الدنيا و يحببه فى الأخره
    صدقينى احنا محتاجين النوع ده من الكتب جامد جدا لأن الدنيا فى قلوبنا واخده اكبر مكان فى قلوبنا

    http://img14.imageshack.us/img14/5853/sig1j.jpg


  10. #30

    الصورة الرمزية azmeralda

    رقم العضوية : 34102

    تاريخ التسجيل : 27Feb2009

    المشاركات : 2,566

    النوع : انثى

    الاقامة : ام الدنيا

    السيارة: ملكش دعوة

    السيارة[2]: الله يرحمها

    دراجة بخارية: لا يوجد

    الحالة : azmeralda غير متواجد حالياً

    افتراضي -

    hasad">

    ماشى بس لازم الأحاديث تكون صحيحة مهما كان الهدف والا نبقى مبنعملش حاجة وممكن تاخدى ذنب كمان؟انا قصدى المصلحة



 
صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. انواع الدموع ...!!!
    بواسطة abogogo في المنتدى المنتــــــدى الاجتمــاعى
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-04-2011, 06:17 PM
  2. دعوة الى ترقيق القلوب المتحجرة وإسالة الدموع المتجمده
    بواسطة أبو عبدالله في المنتدى المنتــــــدى الاجتمــاعى
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 30-11-2007, 01:30 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 PL2