الفصل الرابع
توقفت ايمان عن الكلام وهى تنظر الى ذلك الرجل الذى يبدو عليه علامات الوقار وتعلو وجهه ابتسامه حانيه واخيرا خرجت من صمتها
وقالت:مين حضرتك؟
كان يتفرس فى ملامحها بحنان قائلا:أنتى ايمان مش كده؟
أومأت براسها وهى تقول: ايوا .. مين حضرتك؟
أرتسمت على وجهه ابتسامه كبيرة ولمعت عيناه وقال:انا عمك يابنتى
نظرت له بذهول ودهشة وقالت:عمى مين؟
قال فى حنان :عمك حسين يابنتى ..حسين عزيز جاسر
وجدها تنظر اليه صامته تكسوها علامات الدهشه فقال:ايه مش هتقوليلى اتفضل يا عمى
أشارت اليه بصمت وأفسحت له الطريق ..دخل واغلق الباب خلفه وجال بنظره فى انحاء الشقه ..كانت شقه بسيطه ومتواضعه جدا حتى عاد بنظره اليها عندما قالت:عجبتك شقتنا يا عمى
ابتسم لها وقال: اى حاجه تخصكم تبقى حلوه يا بنتى كفايه كلمة عمى دى اللى كان نفسى اسمعها منكم من زمان ثم فتح ذراعيه قائلا:تعالى فى حضنى يابنت الغالى
توترت ايمان بشده وترددت كثيرا ولكنها اكتفت بأن تمد يدها بالمصافحه فقط فهو بالنسبه لها رجل غريب لا تذكره وليس لديه ذكريات فى عقلها كل ما كانت تحمله له هو حديث امها عنه
أستطاع ان يستوعب مشاعرها ويفهم ما يدور بخلدها فاحتضنها بعينيه ومد يده يصافحها وهى تقول:اهلا وسهلا يا عمى اتفضل اقعد
حضرتك تشرب ايه
الحاج حسين:انا مش عايز اشرب حاجه يا ستى كفايه انى شوفتك اومال فين اخواتك هما مش هنا ولا ايه
ايمان:ايهاب فى الشغل ومريم لسه نازله من شويه
حسين بابتسامه: ماشاء الله وهيرجعوا على امتى كده بالسلامه
ايمان :ايهاب زمانه جاى يتغدى بس مريم يمكن تتأخر
رآها متوتره وتعامله كالاغراب وهو ايضا كان متوتر فهو لا يعلم ماذا يعرفون عنه وماذا حكت لهم امهم عنه وعن اخيه فحاول ان يخفف من وقع الموقف فقال بمرح :طب وانا ينفع اتغدى معاكوا ولا انتوا بخلاء
حاولت ايمان رسم ابتسامه على شفتيها وقالت:تنورنا يا عمى ده يشرفنا
سمعت ايمان صوت مفتاح باب الشقه وفتح الباب ودخل شاب فى العشرينيات من عمره يحمل نفس ملامح اباه مع فارق العمر ...وقف ايهاب ينظر الى الرجل الغريب الذى وجده فى منزله فى دهشه وقبل ان يتكلم
وقف الحاج حسين ولمعت عيناه بالدموع وهو يتقدم نحو ايهاب فاتح له ذراعيه ويقول:ايهاب يابنى وأحتضنه فى حنان وهو يقول ماشاء الله كبرت يابنى وبقيت نسخه من ابوك الله يرحمه
نظر ايهاب لاخته ايمان التى ما لبثت ان قالت:عمى حسين يا ايهاب
زادت دهشتة وهو يمعن النظر فى حسين وقال مرددا:عمى حسين
حسين :ايوا يابنى انا عمكم حسين ثم تابع :بقالى سنين بدور عليكم وادينى لقيتكم الحمد لله
أغلق ايهاب الباب وقال باستنكار:ليه ؟حضرتك كنت بتدور علينا فى بلد تانيه ولا ايه؟
اشارت له اخته ان يهدأ وشرع فى الكلام بانفعال مرة اخرى ولكن حسين قاطعه قائلا:ايوا يابنى كنت بدور عليكم فى بلد تانيه انت مغلطش
ايهاب بضيق وهو يشيح وجهه بعيدا :مش فاهم حضرتك
ربت حسين على كتف ايهاب وأشار الى ايمان وقال:تعالوا اقعدوا وانا هحكلكم كل حاجه
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
شايف عمايل عمى يا بابا...أول ما عرف مكانهم جرى عليهم من غير حتى ما يتأكد ومرضيش حتى ياخد حد من ولاده معاه
الحاج ابراهيم:عيب كده يا وليد لما تتكلم عن عمك اتكلم بأدب
وليد بانفعال :أدب ايه بقى يا بابا ..وخبط على جبينه وهو يقول بعصبيه:انا عارف عمى كويس حنين زياده عن اللزوم وطبعا هيجيبهم معاه ويقعدهم وسطينا ومش بعيد يجبهم الشركه هنا وتبقى هيصه بقى
الحاج ابراهيم: اه يعنى انت بقى كل اللى هامك الشركه ..قولتلى
وليد:يا بابا ...يا بابا مش مسألت الشركه وبس عمى هيدخلهم فى عبنا والله اعلم هما ناويين على ايه ..ماهى حاجه بالعقل كده ايه اللى يخلى امهم تقول على مكانهم فجأه كده أكيد بيخططوا لحاجه
ابراهيم فى عصبيه:أسمع يا وليد انا عارفك كويس وعارف انت عاوز ايه وعارف أمك بتحط فى دماغك ايه ...لكن لازم تعرف ان دول ولاد أخويا علي اللى اتحرمنا منه وهو لسه صغير ومش هنفرط فى ولاده أنت فاهمنى ولا لاء
وليد بسخريه :مش لما تتأكدوا أنهم ولادوا فعلا مش ولاد راجل تانى
قام والده فى أنفعال وقد أحمر وجهه وقال:والله لو كررتها تانى لقطعلك لسانك ..أنت فاهم ولا لاء ..أنت مين يابنى اللى دخل فى مخك الكلام الفارغ ده
صمت وليد وأشاح بوجهه تجنبا لنظر ابيه الذى جلس فى هدوء وهو يقول بثقه :قالتلك انت وبس ولا قالت لأختك كمان الكلام الفارغ ده
وقف وليد مدافعا وقال:لا يا بابا ماما مالهاش دعوه بالموضوع
ابتسم والده وهو يقول:هو أنا جبت سيرة أمك دلوقتى ..
جلس وليد بعصبيه فلقد استطاع والده ان يعرف منه كل شىء بدون مجهود وقال فى نفسه :غبي ..أنا غبي
شعر بيد والده توضع على كتفه قائلا له:أسمع يا وليد يابنى مالوش داعى كل اللى بتعمله ده ..اللى انت خايف منه مالوش اساس من الصحه
وجلس خلف مكتبه وهو يتابع حديثه:عمك علي الله يرحمه أخد ورثه من جدك كله وخرج من الشركه ومضى ورق على كده يعنى الشركه والمشاريع بتاعتنا دى بينى وبين عمك حسين بس ..ريح نفسك وطمن أمك
و أخذ نفسا عميقا وتابع :ده اللى ليك تعرفه لكن تجيب سيرة عمك علي وولاده بالشكل ده تانى مش هسكتلك فاهمنى
""""""""""""""""""""""""""""""""
خرج وليد حانقا من مكتب والده وخرج من الشركه متوجها الى سيارته ولكنه تصادم مع يوسف ابن عمه الذى قال:ايه يابنى واخد فى وشك كده ليه ..رايح فين دلوقتى
وليد فى عصبيه :سبنى فى حالى يا يوسف انا مش طايق نفسى
ضحك يوسف وقال:شكلك واخد دش بارد
أشاح وليد بوجهه وهو يفتح باب سيارته أيوا أتسلى عليه بقى لا يا حبيبى مش هديلك الفرصه دى عن أذنك ..ركب سيارته ولكن يوسف فتح الباب الاخر وركب بجواره واغلق الباب وقال:ايه يابنى بس روق كده وقولى مالك
وليد:ولا حاجه مخنوق شويه ورايح أتمشى بالعربيه
يوسف :طب انا جاى معاك
وليد بسخرية :مش لما عمى يرجع الاول من عند شركاتنا الجداد تبقى تمشى
يوسف :يالا بس هو كده ولا كده هيرجع على البيت مش على هنا
أنطلق وليد بالسيارة حتى وصل الى طريق كورنيش النيل ومنه دخلا الى أحدى السفن العائمه الكبيرة
سارع يوسف الى احدى الطاولات وهو يقول بفكاهه:انا حجزت ده الاول اصلى بحب اقعد جنب الشباك
لم يستطع وليد ان يتمالك نفسه من طريقة ابن عمه الطفوليه وضحك بصوت مرتفع وهو يقول :هتفضل طول عمرك عيل يابنى كلها على بعضها شباك منك لربنا على طول
ضحكا سويا بشكل طفولى بطريقه التفتت لهما فتاة فى أوائل العشرينيات وتفحصتهما قليلا ثم التفتت الى صديقتها التى تجلس معها على نفس الطاوله :شايفه ولاد العز شكلهم ايه يا مريم
مريم بصوت هامس:بصى قدامك يا سلمى كده هياخدوا بالهم انك باصه عليهم ميصحش كده
سلمى بمياعه:طب ماهو ده اللى أنا عايزاه ..حد لاقى يابنتى
مريم بتوتر:انا مبحبش أخرج معاكى علشان كده علشان طريقتك دى
سلمى :ولما انتى ياختى مبتحبيش طريقتى بتخرجى معايا ليه ..أقولك انا ليه ...علشان انا اللى بظبطك وبوديكى الاماكن النضيفه دى
مريم معترضه:ياسلام هو انا يعنى معرفش اجى هنا من غيرك
سلمى بثقه :لا تعرفى بس معندكيش الجرأه ..أنتى كده على طول عين فى الشرق وعين فى الغرب تبقى عينك هتطلع على الحاجه وعاوزه اللى يجبهالك لحد عندك لكن انتى متتحركيش ناحيتها ابدا
مريم بحنق:ماشاء الله وحللتينى نفسيا كمان
سلمى توافقها:اه حللتك وعارفاكى حتى الحجاب اللى انتى لابساه ده مصره تلبسيه علشان اخواتك بس ميزعلوش منك.. لكن انتى نفسك فى اللى يقلعهولك
مريم بعصبيه:كده يا سلمى طب انا غلطانه انى خرجت معاكى اصلا انا ماشيه
وأخذك حقيبتها وأنصرفت كانت سلمى ستتركها ولكنها فى لحظه لمعت فكره فى عقلها ووجدتها فرصه لا تعوض حتى تلفت نظر الشابين اليها
قامت فى سرعت ولحقت بمريم وتكلمت بصوت مرتفع قليلا :تعالى بس يا مريم متبقيش عيله بقى عيب كده هنخسر بعض علشان ايه يعنى
مريم بدهشه:وطى صوتك يا سلمى الناس بتبص علينا
لقد نجحت سلمى فى لفت انتباه وليد ويوسف لها ولمحت وليد ينظر اليها ويتفحصها بنظره تعرفها جيدا ولكنها تجاهلت ذلك وقالت لمريم:تعالى بس يا مريم استهدى بالله تعالى يا ستى انا اسفه وعادت بها الى الطاوله مره أخرى
سلمى :خلاص بقى متبقيش حماقيه ها تشربى ايه انا عازماكى
مريم :مش عاوزه حاجه
سلمى :لا والله لازم تشربى هجبلك ليمون يروق دمك
وليد وهو ينظر مازال ينظر الى سلمى ويتابع حركتها الملفته للأنظار وجه حديث ليوسف:شايف يا يوسف يابن عمى الطلقتين دول ثم تابع بس فيهم بصراحه طلقه أرض جو
القى يوسف نظره عابره والتفت فى الاتجاه الاخر ناظرا لمياه النيل وهو يبتسم بسخريه ويقول:مفيش فايده فيك متعصب ومضايق وفى لحظه قلبت وبص الطلقتين دول ..قولى صحيح يا وليد هو انت ابن عمى بجد ولا ابن عمى لحد ما تفرج بس
أطلق وليد ضحكه عاليه التفتت لها سلمى ونظرت له بدلع ثم عادت ونظرت الى مريم مره أخرى وأكملت حديثها معها
ولكن مريم لاحظت ما تقوم به سلمى من نظرات متواليه فقالت:سلمى لو ملمتيش نفسك همشى اسيبك
زفرت سلمى فى ضيق :خلاص يا ست خضره الشريفه خلاص أشربى وانتى ساكته
تناول وليد قهوته ومازال يرمق سلمى بنظرات جريئه وهى تختلس النظر اليه من وقت لاخر وكأنها تراسله
فقال ليوسف :شكلى دخلت دماغها يابن عمى
يوسف :يابنى أنضف بقى انت عمرك ما تبص لواحده نضيفه ابدا
ضحك وليد وقال:ماهى لو نضيفه مش هبصلها يا عم يوسف ولا ايه؟
أومأ يوسف برأسه موافقا وقال:صحيح .. لو نضيفه مش هتلفت نظرك ليها اصلا علشان تبصلهاثم تابع حديثه:البنات زمان كان لما واحد يبصلها تتكسف وتدور وشها دلوقتى بقى البنت هى اللى بتعمل فيلم زى اللى اتعمل من شويه ده علشان نبصلها
وليد بخبث:الله الله ..ما انت واعى اهو وعرفت انه فيلم أومال عامل قطه مغمضه ليه
تنهد يوسف بقوة وهو يقول:لازم ابقى واعى يا وليد اديك شايف البنات المحترمه بقت تتعد على الصوابع
وليد بمرح:حتى الصوابع دى هقليها فى الزيت واعملها صوابع زينب واكلها
يوسف وهو يضح حساب القهوة على الطاوله :والله أنت مسخره..يالا بينا نشوف ورانا ايه يا دنجوان عصرك
وليد بتصميم وهو ينظر لسلمى:لا مش همشى الا لما اخد نمرتها ..حرام عليك عنيها هتطلع عليا
شكلها حبتنى زى اخوها أوعى تفهمها صح يا يوسف
يوسف :قوم يابنى انت حرمت عليك عشتك قوم ..والله عال مش ناقص غير الاشكال دى كمان
وليد وهو يأخذ مفاتيح سيارته:لالا بس البت اللى معاها حطه حجاب على شعرها وشكلها كده يدى على واحده كان نفسها تبقى محترمه بس قفلوا عليها الفرن بدرى شويه
القى عليها يوسف نظره سريعه قبل ان يغادر وقال:حجاب ايه يا ابو حجاب انت بأماره ايه ده لو ترزى شافها فى الشارع هياخدلها مقاساتها من بعيد لبعيد ويفصلها فستان
وقف وليد وتزمر كالاطفال وقال وهو يهز كتفيه:ماليش دعوه انا عايزو
يوسف متعجبا:هو مين الترزى
وليد:لا الفستان
____________________
فى أيه يا جماعه مالكوا قاعدين مبلمين كده ليه
ايهاب بعصبيه:أتأخرتى ليه يا مريم كده اعملى حسابك مفيش خروج تانى انتى فاهمه ولا لاء
مريم:ايه يا ايهاب بتزعقلى ليه ده هما ساعتين
ايمان:لو سمحت أهدى يا ايهاب مش كده هى مالهاش ذنب
ايهاب بعصبيه :سبونى لوحدى دلوقتى
لمعت عيون مريم بالدموع وأسرعت الى غرفتها ..لحقت بها ايمان وقالت مهدئه اياها:معلش يا مريم اخوكى متعصب شويه ميقصدكيش معلش
مريم من وسط دموعها:اول مره يزعقلى كده وكمان معملتش حاجه
ايمان:معلش يا حبيبتى أنتى عارفه ايهاب بيحبك قد ايه بس أعذريه غصب عنه
مريم متسائله :يعنى ايه غصب عنه فى حاجه حصلت؟
ايمان بارتباك:عمك حسين جالنا النهارده
مسحت مريم دموعها وقالت :طب وفيها ايه
نظرت لها ايمان بشك وقالت:ومالك كده كأنك كنتى متوقعه الخبر
مريم بتماسك:عادى يعنى مش ده عمنا برضه
أمسكتها ايمان من ذراعها وقالت:تعرفى ايه يا مريم ومخبياه عنى ...... أنتى كنتى عارفه انه جاى مش كده؟
مريم برجاء :هقولك بس متقوليش لأيهاب
ايمان:قولى
أبتلعت ريقها وقالت:ماما لما جات من السفر وجات باتت معانا من كام يوم قالتلى انها هتبعت لعمى حسين جواب وتعرفه مكانا وقالتلى انه احتمال كبير يجيلنا هنا
ايمان بتفكير:والجواب ده بعتته قبل ما تنزل مصر ؟
مريم:لا من مصر
ايمان:امتى؟ دى جات المغرب و مخرجتش تانى باتت معانا ومشيت الصبح وايهاب وصلها المطار
نظرت اليها مريم وقالت بتردد:لا اصلها مش زى ما فهمتكوا كده انها لسه وصله المغرب لا..دى كانت وصلت من بعد الظهر وبعتت الجواب ده لعمى قبل ما تجيلنا هنا البيت
ايمان بعدم تصديق:ازاى الكلام ده ..عمى قال فى كلامه ان الصندوق كان فاضى امبارح وهما نازلين من الشركه بالليل متأخر
و انه لقى الجواب فى صندوق البريد بتاع الشركه النهارده الصبح ..
مريم بضجر معرفش بقى هى قالتلى انها اتصرفت وشافت حد تثق فيه
نظرت لها ايمان محذره وقالت :مريييم
مريم مدافعه:والله ما اعرف اكتر من اللى قلته ومش انا اللى بعت الجواب
والدليل على كده انى كنت معاكى فى البيت الصبح ومخرجتش غير بعد الظهر
ايمان :خلاص مش مهم مين اللى بعت الجواب مش دى القضيه دلوقتى
المهم دلوقتى لازم نقعد نفكر فى الكلام اللى عمى قاله وفى العرض اللى عرضه علينا
بس لازم نكلم أمك الاول ونشوف هى عملت كده ليه
المفضلات