سوق السيارات المستعملة.. "عجلُه نايم"!
سوق السيارات بمدينة نصر
- توقعات بانخفاض المبيعات 40% وتراجع الأسعار
- الخوف من البيع أو الشراء أصاب الأسواق بالشلل
- أصحاب المعارض: أزمة السيولة وراء الركود والعرض يفوق الطلب
- الخبراء: ننصح التجار بتصريف مخزونهم بأي سعر للحدّ من الخسارة
تحقيق- أحمد عبد الفتاح:
شهدت أسواق السيارات المستعملة تراجعًا حادًّا خلال الأسابيع القليلة الماضية مع تفاقم الأزمة المالية العالمية، وأرجع عدد من أصحاب المعارض انخفاض الطلب على المستعمل لعدة عوامل؛ منها الانهيار الكبير الحاصل في الأسواق العالمية والبورصة المحلية، وشحّ السيولة؛ الأمر الذي أدَّى إلى عزوف المستهلكين عن الشراء.
وأجمع المتعاملون في سوق السيارات المستعملة على أن فترة الركود التي تمر بها السوق حاليًّا دفعت العديد من التجار إلى تخفيض الأسعار بشكل كبير؛ حتى لو كان ذلك على حساب رأس المال؛ فالسوق مشبَّعة بالسيارات والعرض يفوق الطلب بكثير.
وأشاروا إلى أن هناك أسبابًا رئيسية ساهمت في تراجع المبيعات في "سوق المستعمل"؛ منها العروض التي يقدمها وكلاء السيارات الجديدة، وتعاونهم مع الجهات التمويلية لتوفير التسهيلات المطلوبة؛ فهذه العروض التي قدمتها الوكالات- سواءٌ بالأسعار أو الجوائز أو طرق التسديد- ساعد على تفوُّق السيارات الجديدة على حساب المستعملة، كما أن زيادة الدعاية والإعلانات في الصحف والتليفزيون في الفترة الأخيرة زادت من أزمة على السيارات المستعملة؛ إذ اقترب سعر السيارة الجديدة من المستعملة كثيرًا.
تكدس شديد في سوق السيارات
وناشدوا ضرورة قيام الجهات المعنية بتنظيم هذه السوق وتخصيص أماكن خاصة لمكاتب السيارات المستعملة، كما هو معمول به في العديد من الدول، والحدّ من ظاهرة التجار المتجوِّلين الذين يمارسون أعمالهم أمام معارض السيارات.
وطالب أعضاء مجلس إدارة شعبة السيارات الوكلاءَ بعدم الإسراف في استيراد كميات كبيرة من السيارات، في ظل عدم استقرار الأسعار خلال هذه الفترة الحالية، ووجود تراجع في بيع السيارات.
وأكد المتعاملون بالسوق أن أسعار السيارات شهدت ترجعًا كبيرًا من المتوقع أن يصل إلى 40% خلال الأيام القليلة القادمة؛ فالسيارات من موديلات (هيونداي) و(دايو)- والتي تعد السيارات الأكثر مبيعًا في مصر- انخفضت أسعارها بنحو يتراوح بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جنيه؛ حسب الموديل والحالة.
أما السيارات الأعلى ثمنًا فجاء انخفاضها بدرجة أكبر؛ حيث تراوح الانخفاض في الأسعار من ماركات (فولكس) للطرازات الحديثة (بورا- باسات) إلى نحو 14 ألف جنيه.
التغيير في الأسعار لم يطل بشكل كبير السيارات الأكثر شعبيةً؛ مثل سيارات (فيات وسيات ولادا) والسيارات القديمة التي تعود موديلاتها إلى ما قبل العام 1985م؛ حيث لم يتأثر سعرها بأكثر من 5% فقط.
سوق الجمعة
(إخوان أون لاين) رصد التغييرات التي طرأت على هذه السوق المهمة والحيوية، من خلال جولة ميدانية؛ قام بها في سوق السيارات المستعملة بمدينة نصر، والتي تقام يوم الجمعة من كل أسبوع بمنطقة الحي العاشر؛ حيث تبدأ في الصباح الباكر ولا تنفضّ هذه السوق إلا مع حلول الظلام.
وتعد سوق مدينة نصر للسيارات إحدى أهم سوق السيارات المستعملة في مصر، ويأتي إليه كل أسبوع أصحاب السيارات المستعملة من كل أنحاء الجمهورية والراغبون في الشراء أيضًا، فمن الطبيعي أن ترى بين آلاف السيارات المصطفَّة في السوق سياراتٍ تحمل لوحاتٍ معدنيةً خاصة بمحافظات قنا وأسوان ومطروح.
بطء شديد في حركة بيع السيارات
مع ساعات الصباح الأولى يتوافد أصحاب السيارات من كل مكان على أمل اللحاق بمكان متميز في السوق؛ حتى يتمكنوا من بيع سياراتهم؛ فمحمد خالد مهندس يقول: "حضرت اليوم من محافظة القليوبية لكي أبيع سيارتي المستعملة، وحرصت أن أكون في منطقة السوق منذ الساعة الخامسة صباحًا، إلا أنني لم أستطع اللحاق بمكان جيد في السوق؛ بسبب الزحام الشديد، فالبعض هنا منذ مساء الخميس".
وحول أحوال السوق يقول محمد: "الأحوال لا تسرُّ أحدًا، فرغم الزحام الشديد وغير الطبيعي، وامتلاء ساحات السوق كلها، واصطفاف السيارات في كل الشوارع المحيطة بالسوق- مما أدى إلى إغلاقها بشكل شبه كامل- إلا أنه لا توجد حركة بيع ولا شراء حقيقية، وتقريبًا الجميع حضر من أجل المشاهدة فقط وليس من أجل البيع والشراء".
شلل تام
وحول السر وراء هذا التغير الغريب يقول محمد: "الأمر يعود إلى شهر مضى مع انخفاض أسعار السيارات المستعملة بشكل كبير؛ فالبائع يريد أن يبيع سيارته بالسعر القديم المرتفع، والمشتري يريد أن يشتري بالسعر الجديد المنخفض، وبين هذا وذاك وإصرار كل طرف على موقفه تشهد السوق شللاً تامًّا بالرغم من ازدحامها بآلاف السيارات".
ويضيف محمد: "أنا مثلاً عُرِض عليَّ قبل شهرين مبلغ 50 ألف جنيه في سيارتي المستعملة، ورفضت وقتها البيع؛ على أمل أن يزيد السعر وسط ارتفاع الأسعار الجنوني الذي نشهده، إلا أنني فوجئت اليوم بأن أكبر مبلغ عرض عليَّ في السيارة هو 40 ألف جنيه فقط".
للفرجة فقط
على بُعد خطوات من المهندس محمد وسيارته وقف علاء فاروق (محاسب) أمام سيارته من ماركة (دايو لانوس)، وقد قام بفتح غطاء محرِّكها وأخذ يتأمل حركة روَّاد السوق في صمت مطبق، وهو يرشف كوبًا من الشاي، كان يمسكه في يده..
اقتربنا منه وسألناه عن حال السوق، وإن كان قد حصل على سعر مناسب يبيع به سيارته أم لا، فردَّ قائلاً: "اليوم هو اليوم الأسوأ الذي أشاهد فيه السوق؛ بالرغم من أنه أكثر الأيام ازدحامًا في تاريخ السوق؛ فمن المعروف أن هذه الأيام هي مواسم بيع للسيارات المستعملة على أن يبدأ موسم الشراء في أيام الأعياد، إلا أنه ومع حال السوق الحالية فإن الموسم قد ضُرِب ضربةً قاضيةً قضت عليه".
ويفسِّر علاء كلامه قائلاً: "الكل خائف، سواءٌ من البيع أو حتى الشراء، فالبائع لا يريد البيع بالأسعار الحالية والمنخفضة للغاية، والمشتري يخاف أن يشتري بالأسعار الحالية في ظل وجود توقعات بالمزيد من الانخفاض، وكل من تشاهدهم في السوق اليوم حضروا فقط من أجل الاستكشاف فأصحاب السيارات حضروا من أجل الوقوف على أسعار سياراتهم في ظل الظروف الحالية للسوق، وكذلك المشترون حضروا للوقوف على مدى قدراتهم المادية في ظل ظروف السوق الحالية".
يضيف علاء: "في مصر السيارة المستعملة تعتبر إحدى مجالات الاستثمار التي كانت فيما مضى مجالاً ناجحًا للغاية؛ فأنا مثلاً كنت أغير سيارتي المستعملة كل عامين؛ بشرط أن أبيعها بسعر أعلى من السعر الذي اشتريتها به؛ أي أن السيارة كانت لي إحدى مجالات الاستثمار، أما في ظل الوضع الحالي فأنا مهدَّد ببيع السيارة بسعر أقل من حوالي 12 ألف جنيه عن السعر الذي اشتريتها به، وهو أمر قد يكون مقبولاً عقلاً؛ لكن ليس في سوق كالسوق المصرية له عوامل كثيرة تتحكَّم فيه بالتأكيد آخرها هو العقل".
عوامل مجهولة
وحول العوامل التي تتحكَّم في السوق من وجهة نظر علاء يقول: "السوق يتحكم فيه عوامل مجهولة وغريبة؛ فهل يُعقل مثلاً أن السيارة من ماركة (سيات) تُباع بسعر يقارب عشرة آلاف جنيه، في حين أن سعرها منذ عدة أعوام كان 3 آلاف جنيه، وهذا يعني أن السعر ارتفع وبطريقة جنونية في عدة سنوات فقط، مع أن العقل والمنطق يقول إن أي شيء يمر عليه زمن يباع بسعر أقل فأين هذا العقل والمنطق من هذه السوق الغريبة؟!.
ويكمل علاء: "لأكون واقعيًّا.. الأسعار الحالية والجديدة والتي تعد أقل بكثير من الأسعار التي كانت موجودة قبل ذلك هي أسعار واقعية بالنسبة للقيمة الحقيقية للسيارات، ولكننا لم نتقبل هذه الأسعار بعد، فأنا لن أتضرر إن بعت سيارتي بسعر أقل من سعرها الذي كنت أتوقعه بعشرة آلاف جنيه؛ بشرط أن أشتري سيارتي الجديدة بسعر أقل هو الآخر بنفس النسبة عن سعرها القديم، ولكن في ظل الظروف الحالية لا يوجد أحد يريد أن يبيع أو يشتري".
أبيع أم أشتري؟!
مجدي أحمد أحد السماسرة المحترفين بالسوق يقول: "سوق السيارات المستعملة يشهد كسادًا منقطعَ النظير في ظل الظروف الحالية، وخاصةً في فئة السيارات الحديثة نسبيًّا، فالسيارات القديمة موديلات الثمانينيات وما قبلها لم تتغير أسعارها بنسب كبيرة، ولكن التغيير الأكبر في الأسعار كان في فئة السيارات الحديثة موديلات التسعينيات و2000 وما بعدها، وخاصةً أن سوق السيارات الجديدة تشهد هي الأخرى انخفاضًا ملحوظًا في الأسعار هي الأخرى".
سوق السيارات تشهد تراجعًا حادًّا
ويتوقع مجدي استمرار الانخفاض الحالي، ويؤكد أن الأسعار لن تعود إلى وضعها الأول، كما توقع مجدي أن تنخفض أيضًا أسعار السيارات القديمة التي تعود موديلاتها إلى الثمانينيات وما قبلها، ويقول مجدي: "الأسعار الحالية تعبِّر إلى حد بعيد عن القيمة الحقيقية للسيارات، وأتوقع أن يتقبل الجميع هذه الأسعار ولكن بعد فترة؛ فالكل حاليًّا خائف من البيع أو الشراء في انتظار استقرار الأوضاع والأسعار".
أحمد فايق أحد مسئولي السوق وصف الوضع الحالي بأنه كساد في سوق السيارات المستعملة؛ حيث قال: "هناك كساد في السوق منذ نحو الشهر، ولكني لا أتوقع أن يستمر هذا الكساد طويلاً؛ فبمجرد أن تستقر الأسعار سوف يعود الجميع للبيع والشراء من جديد، أما الآن فالجميع خائف من البيع أو الشراء، لكن الأكثر غرابةً أنه بالرغم من حالة التخوف تلك يشهد السوق نسبة إقبال منقطعة النظير، حتى إنك لا تجد موقع قدم خاليًا في ساحات السوق أو الشوارع الموازية له، ورغم كل هذا فالسوق تشهد أقل نسبة مبيعات منذ إنشائها.
وقف الاستيراد
ومن ناحيته أكد وليد توفيق نائب رئيس الشعبة العامة للسيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية أن الفترة المقبلة ستشهد انخفاض أسعار السيارات؛ لأن أسعار الخامات انخفضت بشكل كبير، بالإضافة إلى انخفاض أسعار البترول ونولون الشحن, وذلك في محاولة من شركات السيارات العالمية لتنشيط المبيعات وجلب سيولة، وحذَّر من استيراد كميات كبيرة في ظل الأزمة المالية العالمية, حتى لا يحدث ركود في ظل انخفاض مبيعات السيارات في مصر.
وطالب البنوك بأن تعطي قروضًا بضمانات لتنشيط سوق السيارت في مصر, كما طالب بأن تكون المعارض في مداخل ومخارج المناطق أو أطراف المدن أو المناطق الشهيرة والبعد عن المناطق الشعبية, وذلك في محاولة للنهوض بهذه التجارة وانتعاشها, كما طالب بالحد من المعارض العشوائية, وذلك باستخراج التراخيص الخاصة بالمكان والمهنة, كما طالب بأن يتم تحديد المعرض بما لا يقل عن 60 مترًا مربعًا، على أن يكون بين كل معرض وآخر مسافة لا تقل عن 200 متر من جميع الجهات, ورأس مال المعرض مليون جنيه.
المستقبل غامض
وأضاف عمر بلبع نائب رئيس الشعبة العامة أن سوق السيارات المصرية تأثرت كغيرها من الأسواق العالمية بالأزمة الاقتصادية العالمية.
وقال: "نصحنا أعضاء الغرفة بتصريف المخزون الموجود عندهم من السيارات؛ لأن هذا المخزون سوف يمثل خسارة كبرى للشركات في حالة الاحتفاظ به، وخاصةً مع وجود توقعات بإنتاج شركات السيارات الكبري دفعات جديدة من السيارت بأسعار أقل من الموجودة في السوق حاليًّا".
وحول سوق السيارات المستعملة يقول بلبع: "الرؤية غير واضحة بالنسبة لهذه السوق، ولكنها عانت هي الأخرى من انخفاض كبير في الأسعار، ولا أعتقد أنها سوف تشهد ارتفاعًا مرةً أخرى وخاصةً مع انخفاض أسعار السيارات الجديدة".
المفضلات